من هي عاتكة بنت عبد المطلب |
عاتكة بنت عبد المطلب القرشية الهاشمية، صاحبة الرؤيا المشهورة في التاريخ الإسلامي، وبرغم الجدل القائم حول بعض تفاصيل حياتها، إّلا أنه يكفينا فخراً الحديث عن عمة النبي.
من هي عاتكة بنت عبد المطلب؟
هي عاتكة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتُعتبر عاتكة من الشخصيات التاريخية البارزة، وُلدت في مكّة و كبرت وترعرعت في كنف والدها (عبد المطلب بن هاشم) وهو جد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان من سادة قُريش وزُعمائها، وتمتع بسمعة طيبة كشاعر، وأخلاق رفيعة تميّز بها بين أبناء قومه، أمّا عن أمها فهي (فاطمة بنت عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم)، لتتجذّر في عائلة نبيلة وعريقة، وقد اختلفت الأقاويل والروايات حول إسلامها، مما يُضيف غموضاً إلى سيرتها، وعاتكة هي (أخت أبو طالب وحمزة وأبو عبدالله)، ولها من الحياة الزوجية نصيب، إذ تزوّجت من (أبو أمية بن المغيرة بن مخزوم)، وأنجبت منه ثلاثة أبناء هم (عبدالله وزهير وقريبة).
أمّا بخصوص ما يُشاع عن أم المؤمنين (أم سلمة) بأنها ابنة عاتكة أيضاً، فإن هذا الأمر خطأً شائعاً يستوجب التصحيح، فقد ذكر (مساعد سالم العبد) في كتابه (معالي الرتب لمن جمع بين شرفي الصحبة والنسب): (ومما شاع من الأخطاء ظن بعضهم أن أم المؤمنين أم سلمة بنت أبي أمية رضي الله عنها من بنات عاتكة بنت عبد المطلب، وليس كذلك، بل هي أخت المهاجر لأمه وأبيه، فأمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جذيمة، ويسمى جذل الطعان، وممن وقع في هذا الخطأ الإمام السخاوي رحمه الله، كما نبهنا عليه في المقدمة، والإمام القضاعي في الإنباء بأبناء الأنبياء، وغيرهما).
وعندما نتحدّث عن عاتكة لا يمكننا إغفال مكانتها الأدبية، فهي شاعرة فصيحة، تركت بصمتها في الشعر بأبيات رثاء والدها، وأبيات شعرية في الفخر، ومن الأبيات التي خلّدت ذكراها، تلك التي أنشدتها بعد الانتصار في يوم عكاظ، فضلاً عن تلك الرؤيا الشهيرة التي ذُكِرَ أنها رأتها في غزوة بدر.
ما هي رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب؟
قيل أن عاتكة قبل أن يشتعل فتيل غزوة بدر، خيّمت عليها رؤيا غامضة تحمل في طيّاتها نذر الشقاء والبلاء الذي سيحل بقريش، فقررت أن تُشارك بها أخاها (العباس) وأسَرّت برؤيتها إليه، وذكر رؤيتها هذه (الذهبي) في كتابه (سير أعلام النبلاء) في الجزء الـ 26، الصفحة رقم 323، إذ كتب: قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان، عن عروة، قالا:(رأت عاتكة بنت عبد المطلب فيما يرى النائم قبل مقدم ضمضم بن عمرو الغفاري على قريش مكة بثلاث ليال، رؤيا، فأصبحت عاتكة فأعظمتها، فبعثت إلى أخيها العباس فقالت له: يا أخي لقد رأيت الليلة رؤيا ليدخلن منها على قومك شر وبلاء، فقال: وما هي؟ قالت: رأيت فيما يرى النائم أن رجلاً أقبل على بعير له فوقف بالأبطح فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، فاجتمعوا إليه، ثم أرى بعيره دخل به المسجد واجتمع الناس إليه، ثم مثل به بعيره فإذا هو على رأس الكعبة، فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، ثم أرى بعيره مثل به على رأس أبي قبيس، فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، ثم أخذ صخرة فأرسلها من رأس الجبل فأقبلت تهوي، حتى إذا كانت في أسفله ارفضت فما بقيت دار من دور قومك ولا بيت إلا دخل فيه بعضها).
تحقق رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب
أكمل (الذهبي) في كتابه فقال: (قال العباس: والله إن هذه لرؤيا، فاكتميها، فقالت: وأنت فاكتمها، لئن بلغت هذه قريشا ليؤذننا، فخرج العباس من عندها، فلقي الوليد بن عتبة وكان له صديقاً فذكرها له واستكتمه، فذكرها الوليد لأبيه، فتحدث بها، ففشا الحديث)، وصل خبر رؤيا عاتكة إلى (أبا جهل) الذي قام بدعوة العباس إلى مجلسه وسخر منه قائلاً: (متى حدثت هذه النبية فيكم؟ ما رضيتم يا بني عبد المطلب أن ينبأ رجالكم حتى تنبأ نساؤكم، سنتربص بكم هذه الثلاث التي ذكرت عاتكة، فإن كان حقا فسيكون، وإلا كتبنا عليكم كتاباً أنكم أكذب أهل بيت في العرب)، وما هي إلا ثلاثة أيام حتى تحققت هذه الرؤيا.
وقد ذكر (ابن هشام) في الجزء الأول من (السيرة النبويّة) الصفحة رقم 609 عن العباس أنه قال: (وإذا هو قد سمع ما لم أسمع صوت ضمضم بن عمرو الغفاري، وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره، قد جدع بعيره، وحول رحله، وشق قميصه، وهو يقول: يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث)، فاندلعت غزوة بدر ورأى العيان قريشاً تكتوي بنيران الهزيمة والخسران أمام جيش المسلمين الشامخ، إذ صدّق الله ما تمناه قلب عاتكة، وظهر الحق في ميدان المعركة.
شعر عاتكة بعد تحقق رؤياها
أبدعت عاتكة في كتابة بعض الأبيات الشعريّة التي عبّرت فيها عمّا يجول في خاطرها، بعد أن صدقت رؤياها، فقالت لمن قاموا بتكذيبها:
ألم تكن الرؤيا بحقٍ ويأتكمْ،
بتأويلها فَلٌّ من القوم هاربُ،
رأى فأتاكم باليقين الذي رأى،
بعينيه ما تفري السيوف القواضبُ،
فقلتم كذبت، ولم أكذب وإنما،
يكذبني بالصدق من هو كاذبُ،
وما فر إلا رهبة الموت منهم،
حكيم وقد ضاقت عليه المذاهبُ.
هل أسلمت عاتكة عمة النبي؟
اختلفت أقوال العلماء حول إسلام عاتكة عمة النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم من أكّد دخولها في الإسلام، مثل (الذهبي) الذي ذكر في كتابه (سير أعلام النبلاء): (أَسْلَمَتْ، وَهَاجَرَتْ)، وذكرها (خليفة بن الخياط) في كتابه (الطبقات) قائلاً: (أدركتْ الإسلام وأسلمت)، كما كتب عنها (ابن سعد) في كتاب (الطبقات الكبرى): (ثم أسلمت عاتكة بنت عبد المطلب بمكة وهاجرت إلى المدينة)، وكذّب البعض دخولها في الإسلام، ومنهم كما ذكر ابن الأثير في كتاب (أسد الغابة): (فقال ابن إسحاق، وجماعة من العلماء: لم يسلم من عمات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير صفية)، وكتب (ابن منده) في (معرفة الصحابة): (وكان للنبي صلى الله عليه وسلم ست عمات: عاتكة، وأميمة، والبيضاء، وبرة أم أبي سلمة بن عبد الأسد، وصفية، وأروى، ولم يسلم من عمات النبي صلى الله عليه وسلم إلا صفية، واختلف في عاتكة وأروى، فقال بعضهم: أسلمتا) والله أعلم.
وفاة عاتكة بنت عبد المطلب
اختلف العلماء والمؤرخون في رواياتهم حول تاريخ ومكان وفاة عاتكة، حيث يقول بعضهم أن وفاتها كانت في المدينة المنورة، بينما يُشير آخرون إلى أنها توفّيت في مكّة المُكرّمة، ومنهم من قال أنها دُفنت في مقبرة (البقيع)، وهناك من يدّعي أنها توفيت بعد وفاة النبي محمد، إلا أن هذا الرأي يبقى موضع جدل، إذ يبدو مُستبعداً بالنظر إلى السياقات التاريخية والظروف المُحيطة بتلك الحقبة، وبذلك يمكننا القول أنه لا يوجد معلومات أكيدة فيما يخص مكان وتاريخ وفاتها.
تمت الكتابة بواسطة: سمر درويش.
تعليقك يهمنا