معلومات عن حرب المائة عام |
تُعد حرب المائة عام صراع ملحمي بين فرنسا وإنجلترا دام قرنًا كاملاً، شكَّلت تاريخ أوروبا وغيَرت مسار المملكتين للأبد، فما هي أسبابها ونتائجها؟
ما هي حرب المائة عام؟
شهد العالم قديمًا صراع طويل الأمد بين فرنسا وانجلترا سُمي بحرب المائة عام، فبالرغم من أنه سمي بهذا الإسم لكنه لم يكن صراع مائة عام بل استمر فعليًا 116 عام، حيث بدأت الحرب عام 1337 حتى 1453 ميلاديًا غير متواصلة حيث أن هذه المدة تخللتها فترات من السلام المؤقت والمفاوضات التي لم تكن سوى هدوءًا يسبق العاصفة، فكانت هذه الحرب واحدة من أطول النزاعات في التاريخ الأوروبي وترتب عليها آثارًا عميقة على كل من فرنسا وإنجلترا بالإضافة لتغير كبير في الخريطة السياسية لأوروبا.
جذور الحرب وأسبابها
بدأت حرب المائة عام نتيجة لعدة أسباب كان من أبرزها: (التنافس على العرش الفرنسي والتحالفات السياسية المعقدة والطموحات التوسعية للملوك الإنجليز)، وترجع جذور الحرب إلى الصراع حول التاج الفرنسي بعد وفاة الملك الفرنسي شارل الرابع في عام 1328 دون أن يترك وريثًا مباشرًا له، حيث تسبب هذا الفراغ في السلطة في فتح الباب أمام مطالبات عديدة بالعرش وكانت إحدى هذه المطالبات من قبل الملك الإنجليزي (إدوارد الثالث)، وكانت هناك أسباب أخرى غير المطالبة بالعرش مثل: (توترات اقتصادية وتجارية)، خاصة فيما يتعلق بالتجارة في (فلاندرز)، وهي منطقة حيوية كانت تعتمد على الصوف الإنجليزي لصناعتها النسيجية والسيطرة على هذه المنطقة أصبحت هدفًا مهمًا لكلا الجانبين.
بداية الحرب
في عام 1337 ميلاديًا، قام الملك الفرنسي (فيليب السادس) بمصادرة إقطاعية (آكيتين) التي كان يملكها إدوارد الثالث كإقطاعي فرنسي تسببت هذه الخطوة في إشعال فتيل الحرب، حيث أعلن إدوارد الثالث نفسه وريثًا شرعيًا للعرش الفرنسي مُدعيًا حقه في التاج الفرنسي من خلال والدته (إيزابيلا) شقيقة ملك فرنسا الراحل.
معركة كريسي
انطلقت الحرب في شكل غارات ونِزالات عسكرية متفرقة، وسرعان ما تصاعدت إلى معارك كبرى وكانت معركة كريسي في عام 1346 ميلاديًا واحدة من أوائل المعارك الكبرى في الحرب، حيث حققت القوات الإنجليزية بقيادة إدوارد الثالث انتصارًا ساحقًا على الفرنسيين، وذلك بعد أن استخدمت القوات الإنجليزية في هذه المعركة تكتيكات حربية جديدة مثل: استخدام الرماة بـ (السهام الطويلة)، مما أتاح لهم التفوق على سلاح الفرسان الفرنسي.
تأثير الموت الأسود (الطاعون) على الحرب
ضرب نوع من أنواع الطاعون الأسود وتحديدًا الطاعون الدبلي المعروف باسم (الموت الأسود) أوروبا بين عامي 1347 و 1351 ميلاديًا ووقع ذلك في منتصف الحرب، وأدى إلى وفاة الملايين من الناس، فلم يتوقف تأثيره على ذلك بل أثر هذا الوباء بشكل كبير على كلا الجانبين حيث أدى إلى نقص حاد في القوى العاملة، أثر ذلك على الاقتصاد والقدرة على شن الحملات العسكرية كما تسبب في توقف مؤقت للأعمال القتالية إلا أن النزاع سرعان ما عاد بمجرد بدْء الوباء في التراجع.
ملخص حرب المائة عام
خلال الفترات التي كانت فيها الحرب محتدمة لجأ الإنجليز إلى تكتيكات حربية جديدة مثل: (حرب العصابات) التي قاموا من خلالها بشن غارات سريعة على الأراضي الفرنسية مستهدفين القرى والمدن الصغيرة وإحراق المحاصيل ونهب الممتلكات، وكانت تهدف إلى تدمير الاقتصاد الفرنسي وإضعاف معنويات الشعب الفرنسي، وفي المقابل، فشلت القوات الفرنسية في مواجهة هذه التكتيكات حيث كانت تعتمد بشكل كبير على سلاح الفرسان التقليدي الذي لم يكن فعالًا في مواجهة هذه الغارات السريعة والمفاجئة، مما ساعد انجلترا على استمرار تحقيق الانتصارات والسيطرة بشكل واسع على المناطق الفرنسية.
معاهدة تروي
شهدت الفترة من 1389 إلى 1415 ميلاديًا هدوءًا نسبيًا حيث تم التوصل إلى عدة هدنة مؤقتة وخلال هذه المدة بدأت الصراعات الداخلية في فرنسا تتصاعد مما أضعف موقفها في الحرب ليستفاد الإنجليز من هذا الهدوء لتجديد قوتهم والاستعداد لمراحل جديدة من النزاع، وفي عام 1415 ميلاديًا استأنف (هنري الخامس) ملك إنجلترا الحرب على فرنسا وتمكن من إحراز انتصار كبير في معركة (أجينكور) حيث هُزم الجيش الفرنسي مرة أخرى بفضل استخدام الرماة الإنجليز، ليعقب هذا الانتصار توقيع معاهدة تروي في عام 1420 ميلاديًا والتي اعترفت بأن (هنري الخامس) وريث شرعي للعرش الفرنسي بعد وفاة الملك (شارل السادس) لتكون هذه المعاهدة بمثابة انتصار كبير لإنجلترا ولكنها لم تقضي على الحرب بشكل نهائي.
عودة فرنسا لساحة المعركة
في هذا الوقت أوشكت فرنسا على الهزيمة الكاملة، وفي هذه الأثناء ظهرت شخصية غيرت مجرى الأحداث لُقبت (جان دارك) وهي فتاة فرنسية من الريف ادعت أنها تلقت رؤى من الله تطالبها بقيادة الجيش الفرنسي إلى النصر وبفضل شجاعتها و إلهامها، تمكنت من إعادة إحياء الروح القتالية في الجيش الفرنسي، رغم الانتصارات التي حققتها جان دارك، إلا أن حظها لم يستمر طويلاً، ففي عام 1430 ميلاديًا أُسِرت دارك من قبل (البرجنديين) وهم حلفاء الإنجليز وتم تسليمها إلى الإنجليز بعد محاكمتها بتهمة الهرطقة والسحر، وتم إعدامها حرقًا على الخشبة في عام 1431 ميلاديًا.
انتهاء الحرب
وأُبرمت معاهدة (بيكاردي) في عام 1475 ميلاديًا بين فرنسا وإنجلترا، في النهاية التي أكدت انتهاء الحرب وأعادت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، على الرغم من أن الصراع قد انتهى، إلا أن آثار حرب المائة عام ظلت ملموسة لعدة عقود.
تأثيرات حرب المائة عام على فرنسا وإنجلترا
أثرت حرب المائة عام بشكل عميق على كل من فرنسا وإنجلترا وعلى أوروبا بشكل عام، ففي فرنسا أدت الحرب إلى تدمير واسع للبنية التحتية وانهيار الاقتصاد ومعاناة الشعب من الفقر والمجاعة، ولكنها ساهمت في تعزيز الهوية الوطنية الفرنسية، وتقوية سلطة الملك على حساب النبلاء، مما أدى في النهاية إلى توحيد فرنسا كدولة مركزية قوية.
أما في إنجلترا، فقد كانت الحرب مكلفة جدًا من الناحية المالية، وأدت إلى إنهاك الموارد الاقتصادية والعسكرية للبلاد، تسبب ذلك في اندلاع حروب الوراثة (حروب الورود أو حرب الوردتين) في إنجلترا بعد انتهاء حرب المائة عام، حيث دخلت العائلات النبيلة في صراع دموي على العرش.
الدروس المستفادة من حرب المائة عام
قدمت حرب المائة عام العديد من الدروس الهامة في مجالات الاستراتيجية العسكرية والدبلوماسية والسياسة ومن الناحية العسكرية أظهرت أهمية تكتيكات جديدة مثل: (استخدام الرماة وتأثير حرب العصابات على النزاعات الطويلة)، كما أنها أكدت على ضرورة التحالفات الدولية وأهمية الاستراتيجيات الدبلوماسية في تحقيق النصر.
أصبحت حرب المائة عام واحدة من أكثر النزاعات تعقيدًا وتأثيرًا في تاريخ أوروبا، بالرغم من أنها كانت حربًا طويلة ومكلفة، إلا أنها أسفرت عن تغييرات جذرية في النظامين السياسي والاجتماعي لكل من فرنسا وإنجلترا، كما أنها ساهمت في تشكيل الهوية الوطنية لكل من البلدين ووضعت الأسس للعديد من التطورات السياسية والعسكرية التي تلتها في أوروبا، فاليوم يُنظر إلى هذه الحرب على أنها رمز للصراع المستمر بين القوى العظمى، ودليل على أن الحروب مهما طال أمدها، يمكن أن تؤدي في النهاية إلى تحول جذري في مسار التاريخ.
تمت الكتابة بواسطة: جيهان جهاد محمد فتحي.
تعليقك يهمنا